إلى حبيبي الغائب.

في نفس هذه الساعه، وذات اليوم .. كنا انا وانت، وما اصعب كلمه “كنا” هنا .. كيف أصبحنا بعد حبٍ قد صُّور لنا انه قد يخلد للأبد .. او ربما هذا ما ظننته انا وحدي ..
كيف اصبحت كل وعودنا محض هراء تفوهت به الستنا .. او لعلها سخريةٌ من القدر حين اراد ان يرينا ان الحياه لا تسير وفق ما نرجوه دائما ..
لا يهم هذا كله الآن .. الاهم .. كنا على سطح منزلي .. على الاريكه متجاورين .. في موعدنا الأسبوعي .. الذي اعتدنا فيه ان نراقب غروب الشمس برفقه ابريق من شايك المفضل .. وصوت فيروز يصدح حولنا .. نناقش حال المدينه وتغيراتها الجغرافيه، نراقب اثار الحرب التي تزداد مرةً بعد مره .. ونحتفل في كل مرةٍ نرى ان الحال فيها لم يتغير لاسبوعين متتالين .. وفي احيان كثيره ايضا .. كنا نستطيع لمح الصواريخ البعيده التي يصدف في بعض المرات ان استطيع لمح هيكلها من شده قربها .. فيخيل لي اننا هدفها التالي فأهلع .. كنت تأخذني إليك حينها فاحتمي بصدرك .. وادفن رأسي فيه ممتنعةً عن الرؤيه .. فتأخذ هامسا لي بهذا الحديث الدائم لك

: ” حبيبتي، نحن ابناء هذه الارض اليتيمه .. علينا الصراع لنزع هذا الخوف من قلوبنا .. علينا الامل مهما كان الخطر يلَّوح حولنا .. كيف النجاه والابدان ترجف من الهلع ؟ .. انظري .. انها كعصافير اضلت طريقها لا تعلم اين وجهتها .. وماصوتها الا كألعاب ناريه بشكل اقوى فقط! 

لكن ماذا لو سقطت واحده علينا ؟، ارد عليك .. 

ستكون ساعةً حلوه، سنموت معا .. وتلتحم ارواحنا ! تخيلي انك لن تفلتي مني حتى في العالم الآخر .. مسكينةٌ انت! 

فتضحك وأضحك معك وينساب خوفي من تحتي ويختفي. 

ولكن .. ذلك اليوم المشئوم .. حين اتيت لموعدنا .. دخلت في هدوء غير معتادٍ منك .. لم تلقي التحيه ولم تقبلني كما اعتدت وحتى انك لم تتفوه ببنس كلمه .. كان وجهك شاردا .. وعيناك تائهةٌ كطفلٍ ضل الطريق .. ظننت في البدايه ان الامر متعلق بترتيبات زفافنا .. وان الامر اثقلك واتعبك .. فلم اشأ سؤالك مباشرةً .. ولعلمي ايضا بأنك لا تحب ان يتسائل احد ما عنك ما لم تتحدث انت اولا .. لجئت لطريقتي التي تحبها انت .. ربَّتُ على حجري كي تضع رأسك عليه، لكنك اشحت بوجهك بعيدا! .. حسنا .. الامر جدي لهذه الدرجه .. ماعساه ياحبيبي ان يكون؟.


ضلننا هكذا صامتين نحو الساعتين .. نراقب السماء وغروبها وعقلي يحيك الف فكرةٍ و فكره لما جرى لك .. 

نطقت انت اخيرا .. بشكل مفاجىء ايقظني من سيلان أفكاري .. 

لنفترق 

ظننتك مازحا في البدايه .. ضحكت قائله :
ماذا تقصد ؟ لم يتبقى على زفافنا سوى ٣ ايام .. اانت خائ… قاطعت حديثي بصوتٍ مبحوح

: لا .. إن الامر فقط .. انا وانت .. هذا الشيء الذي بيننا .. عليه ان ينتهي .. لايمكننا الاستمرار 

ماذا تعني؟ اانت جاد الان؟ ماذا حصل .. هل اخطئت بحقك، هل ان غاضب مني؟ 

: لا .. انتِ لم تفعلي شيئا .. نهايتنا فقط حانت قبل ان تكتمل .. انا اسفٌ لك .. انا مغادرُ غدا، ولا وجهه لدي املكها .. هذه المدينه ترفضنا .. تلفظنا .. نحن ابناء هذه الارض اليتيمه .. كما اقول لك دائما .. سنموت فيها أيتامً بحبنا في نهايه المشوار .. لنفترق قبل ان يحصل ذلك .. لا تحسبي اني توقفت عن حبك .. انا احبك وسأضل احبك للأبد .. لكنني لست سوا كاتب فقير يعيش ايامه تحت خوف السلطه، لن استطيع الهروب بك خارجا ولن استطيع توفير الحياه الامنه لك .. اعذريلي ضعفي .. استوعبت كم كنت مخطئا حين امنت ان الحرب ليس باستطاعتها سلبنا مشاعرنا .. ذلك الحب والامل التي نخفف فيه عبء ارواحنا .. إن باستطاعتها تدمير كل شيء .. كل شيء .. 

ورحت تُتمتم بكلامٍ غير مفهوم .. لم استطع استيعاب الامر .. اصبحت الدنيا حولي تدور بلا انقطاع .. ولساني مثقل لا يقوى الكلام .. احاول النظر اليك لكن الدمع يحول بيني وبينك .. كان الامر ككابوسٍ رجوت الاستيقاظ منه .. همست لك بتعب .. انت كاذب، لا يمكنك فعلها .. مانحمله تجاه بعضنا اقوى من سببك هذا .. انك مشوش الان بالتأكيد ولا تعي ماتقوله 

: حبيبتي .. انا جاد بما اقول .. اسمحيلي ضعفي هذا واعذريه .. لم اتوقع ان اخذلك لكن الأمر اثقل من ان احمله .. انظري هناك .. ساعات قليله وتشرق الشمس من جديد .. ولن تأبه بما حصل هنا .. لا تدعي الامر يؤثر عليك .. دعي ايامك تشرق من بعدي مهما كانت الأحوال .. وعديني ان لا تحزني بسببي .. انني على اية حال لا استحقك. 

استمريت بالحديث مبررا باشياء كثيره .. وعقلي لا يزال تحت تاثير قرارك .. فجأه، اراك تنهض وتختفي من امامي .. دون ان تقول وداعا حتى .. لم استطع اللحاق بك من هول الصدمه .. كان جزءا ما في داخلي يقول انك تمزح بالتأكيد .. لطالما كنت قويا عنيدا لا تسمح لأي مؤثر كان هزك وسلبك ماتحب .. سيهدىء الحال وتعود .. هذا ما ظننته في البدايه .. لكن اختفاءك بعدها كان مريبا .. حاولت الوصول اليك ولم استطع .. انقطعت نحوك كل السبل الممكنه .. لا احد يعلم اين انت .. لا اهلك ولا أصدقاءك .. ولم يلمحك احد حتى .. كان الامر ولو ان العالم ابتلعك فجأة دون انذار 

مرت الأيام وانا احمل املا في داخلي بأنك عائد لا محاله .. وانك لن تتخلى عني كما قلت .. واتخيل سيناريوهات عديده لذلك .. فلا ينقضي اليوم الا وقد رسمت الفَ طريقٍ لعودتك. 
عشت تلك اللحظات بعيدةً عن الجميع .. فقد كان الكل قد فقد الامل بك .. وبل قد اقاموا مراسم عزاء لعينه ليوقفو التفكير باحتماليه قدومك مره أخرى .. 
ولكن .. وحدي انا من يعلم قلبك .. ومن يعرف خباياه .. ذلك الشخص .. ذلك اليوم .. لم يكن انت إطلاقا .. بل طيفٌ سيء قد تلبسك حينها .. وانك عائد لا محاله .. ولو كان ذلك بعد حين. 
ان كنت تراقبني كما اعتدت دائما .. وتقرأ هذا النص ياحبيبي .. فأنا هنا .. على ذات السطح .. انتظر مجيئك .. ولا تقلق من العوده .. لقد تدمر كل شيء هنا ولم نعد في نطاق الخطر .. وحتى ان جبلك المفضل .. قاسيون .. قد اصبح نصفه معرىً من المنازل .. وستتمكن من رؤيته بوضوحٍ اكثر. 

ملاحظة:
لا زلت احبك، وتلك الليله التي انغمسنا فيها معا .. نتاجها الان نائمُ على حجري بانتظارك.

اكتب تعليقًا