المجمع الغامض

‏الواحدة مساءاً، لبداية أسبوع مجهول.

وسط مجمعٍ مسور، تتشابك اسلاكة الشائكة في كل زاويةٍ منه.. بكاميرات مراقبة تحوم حوله كأعينٍ يقظة.. لا يحمل اسما او شارعاً خاصاً.. يكتظ بمنازل متجاورة دون مساحة لكل واحد.. بعبارات ممنوع الوقوف على جميع بواباته وبالرغم من كثرتها فالكل يقف امامه.
‏كما لو انه منزل حكومي سري.. او سجن ما لا احد يدرك السر وراءه.

‏على مدى ثلاث شهور رحت اراقبة كل مساء من نافذة المبنى المجاور له، احاول استسقاء اي شخص فيه، واراقب تغيرات اسطح منازله التي تتغير أماكن ما يحمله في بعض الأحيان كالسلالم وكراسيٍ مهجورة.

‏لم يدل على الحياة ابدا، وبدا انه سجن تأديبي او حتى لايوجد من بداخله ولكن الملل، وربما الرغبة في تشبث بشيء ما.. جعلتني اراقب بصمت وافكر في كل منزل كم يحمل من عائلة او أشخاص.

‏تؤلمني عيناي من اشعة الشمس العاكسة فأتوقف، وامضي اليوم الذي يليه هكذا حتى تأمرني الشمس بالرحيل وعدم التطفل كما لو انها تنهاني عن فعل مشين.

‏بدأ شكلي غريبا نوعا ما، الجميع يعمل، يأكل، يضحك.. وانا هنا اختلس أوقات الفراغ في تأمل اللاشيء تقريبا بعقل لا يعي ما حوله في الحقيقة حتى يلكزة احدٌ ما او يشتد بصوته عليه.

‏اليوم تحديداً، قررت التوقف عن التأمل والبحث عن شيء ما جديد للتّفكر، فلا يبدو لما افعله فائدة سوا انني اتعب من الوقوف واحترق من الشمس قليلا.

‏ما ان خطوت مبتعدة، مارةٌ بجوار نوافذ المبنى بأمل ان لا احد هناك يقطن.. يعلو بوق سيارةٍ دون توقف لافتاً انتباهي لرؤيته.. وهنا فقط
‏.. تحققت الرغبة اخيرا ولمحت شخصاً ما على السطح!

‏فتاة بملابس نوم وردية، شعرها نصف مبعثر ونصف مسرح كما لو انها صحت من نومها الآن.. تجر دراجتها الوردية أيضا بصعوبة، وتحوم بها وسط حدود السطح الضيقة بمرح.

‏دهشت قليلا، هل كان البوق متعمدا تنبيهي بشكلٍ ما اجهله؟.. لا اعلم.. لكن لولاه لكنت سأكمل نظريتي بخلو المجمع من البشر.. وان أشباح السجناء تحوم به.

‏حسنا، اذ كان من يسكنه عائلات إذا بها أطفال، فلم هو مسورٌ هكذا؟ ولم لا يحمل حياةً بداخله ولا حتى يستطيع احد البحث عنه؟ ايمكن ان يكون مما يسمونه “البيت العائلي”؟.. ذلك الذي يجمع السجين باهله تحت سقف الحراسة قبل انتهاء محكوميته بفتره أشهر لتأهيله بالدمج مع المجتمع.. وان كان كذلك فلم لا يحمل اسما واضحا؟.

‏على ما يبدوا ان سيل اسأله جديد سينهمر علي الأيام القادمة حتى اكتشف السر الذي لا يستحق عناء البحث.. ولكن التفاصيل الصغيرة هذه تهدي الحياة مذاقاً خاصاً غريب لن يدركه سوا مدمنوا التفكير أمثالي.. وهاهي فتاة صغيرة تبني مسار سعادتها في حدودٍ صغيره لم تمنعها من التحليق، كدرسٍ لي ان افعل ما فعلت مهما جار الزمان على أحلامي وعمري.

اكتب تعليقًا